بسم الله الرحمن الرحيم
لمحة تاريخية موجزة عن تأسيس وتطور دار الجماعة
في سنة 1972 اعتاد ثلة من الشباب من حومة غندري بجربة الاجتماع كل يوم سبت بعد صلاة العصر في بيت الأخ محمد برحومة و ذلك لشرب فنجان قهوة و قراءة جزء عم من القرآن الكريم ثم تبادل أطراف الحديث عن الأهل و أخبار الجزيرة. و عنوان البيت "بلاس كولونيل فابيان".
و عند إنتقال الأخ محمد الى 16 شارعاميل دوبليه باريس 18 انتقلت معه هذه العادة ثم التحق بالمجموعة أفراد من مناطق أخرى من الجزيرة كأجيم و قلالة و الماي و الرياض و جعبيرة و صدغيان و سدويكش. و على سبيل المزح كانوا يلقبون هذا المكان "بفقي عمر" للشبه معه في إنخفاض سقفه وأضيف للبرنامج زيادة على الصلاة و قراءة جزء عم ترديد بعض القصائد المعروفة في جربة.
و في سنة 1974 زار فرنسا كسائح الأخ مسعود بوعلي و تعرف على المجموعة و كان متفقها دينيا فقدم لهم بعض النصائح في كيفية الوضوء و الصلاة و قراءة القرآن و صادف أن تعرف الأخ مسعود على رابطة الطلبة المسلمين في باريس الدائرة 14 فنصحهم بالإتصال بهم للإستفادة من نشاطاتهم فصحبه الأخ الهادي القصاص الذي تردد على الرابطة و استفاد من دروس الشيخ الأستاذ حميد الله رحمه الله.
و أحد طلبته الأستاذ صالح العود و قد تردد هذا الأخير على الجربين لتعليمهم القرآن و الفقه و قد يأتي معه أو يعوضه أحيانا الأخ نور الدين بالهيبة.
و في نفس السنة انتقلت المجموعة للسكن في الدائرة باريس 10, 7 شارع جاك لوفيل تسي
و من هنا إلتحق جل الأفراد بجماعة التبليغ في مسجد ابي بكر الصديق و ترددت على المساجد و حصلت على ثقافة دينية و حرصت على تعلم ما أمكن لها من الحلقات و الخرجات.
و في سنة 1975 جاء وفد جربي درس في مزاب يضم ثلة من الشباب الحاصل على رصيد لا بئس به من العلم الصحيح منهم: عاشور كسكاس، أحمد مصلح، عبد الفتاح لغوان...
التقوا بالمجموعة الجربية بباريس و قدموا محاضرات و دروس في الدين و تاريخ المذهب و كان اللقاء معهم يتم في محل سكن باريس 10 أو بيت عم سالم بن الحاج يحيى و أسدوا لهم بعض النصائح و الإقتراحات و من بين هذه الإقتراحات فكرة بيت الجماعة التي قدمها الأخ عاشور فأعجبتهم و تم الاتفاق عليها و من الأقدار الخيرة أن اتيحت فرصة كراء محل في 27 شارعاميل دوبليه باريس 18 فتم كرائه و اختير كمركز أو مقر للجماعة و اتفق على الاشتراك بأداء 20 فرنك شهريا على أن يقطن فيه الأخوين سالم بالحاج يحيى و عاشور الغندري بصفة رسمية و يستقبلا الجماعة كل يوم سبت دون الشعور بالحرج و دون إحراج الضيوف؛ و تم الأمر.
و أخذت الجماعة تكبر و تنمو و في عام 1978 أراد مالك البيت بيعه فاشترته الجماعة ب-30000 فرنك باسم الأخوين سالم بالحاج يحيى و رمضان تمالة. و في تلك الفترة كان بعض الأساتذة و أبرزهم الشيخ عاشور يترددون في بداية كل صائفة تقريبا على فرنسا للشغل و النزهة.
فيغتنموا فرصة وجودهم في باريس لرفع مستوى الجماعة و تثقيفها دينيا.
و أصبح البيت معروفا أكثر فكثر لدى الجربين و ذلك بفضل شعور المشرفين و الموجهين بالمسؤولية تجاه أبناء بلدتهم و نتيجة اخلاصهم لدينهم الحنيف و حبهم لمذهبهم.
توسعت دار الجماعة سنة 1982 و ذلك بشراء محل ثاني كان موازيا للأول فضم إليه و تضاعفت المساحة و قد تم الشراء بإسم الأخوين الهادي البرداوي و رمضان بالحاج.
و يرجع وعي الجماعة بدينها و أصالة مذهبها إلى الرابطة التي أسسها الشيخين عاشور كسكاس و أحمد مصلح سنة 76-75 حيث نظما زيارة الجماعة لمركز المزابيين بكريتاي و بتوفيرهما بعض الكتب.
و قد عرفت هذه العلاقة تطورا و نماءا و استفادت منها الجماعة خاصة بزيارة الشيخ بيوض و الشيخ عدون و الشيخ بن الشيخ و الشيخ بكير إرشوم لدار الجماعة كلما زاروا باريس كما زار الشيخ قراس الدار مرات عدة .
و في سنة 1983 كانت أول زيارة للشيخ فرحات الجعبيري لدار الجماعة بباريس و تابعها بزيارتين اخريين و قد حرص على تنظيم صفوف الجماعة و ترتيب أوضاع الدار و المسؤولية في تلك السنوات كانت موزعة بين سبعة أفراد و هم الإخوة:
علي القلاع, الهادي القصاص, مهني بوفرقين, سعيد بن يعقوب, مكي الكاتب, عمر شحيط, حميدة الخاوي.
و من جملة انجازات تلك الفترة حفض القرآن الكريم توزع بين 8 أفراد ليتمكنوا من صلات التراويح في رمضان و تعلم و فهم أغلب المسائل العقدية و الفقهية من مؤلفات الإباضية التي كانت في تلك الفترة نادرة.
بعد سفر المشائخ عاشور و أحمد إلى عمان سعوا إلى ربط العلاقة مع السلطنة، فزار دار الجماعة الشيخ أحمد الكندي رحمه الله ثم الشيخ أحمد بن سعود السيابي ثم الشاعر الأديب يحيى البهلاني رحمه الله و الشيخ الشاعر سعيد الكندي و الشيخ خميس العدوي و الشيخ أسعد المقيمي و بعض الإخوة الأخرين من عمان الحبيبة.
و قد كانت للسنة الحميدة التي واضب عليها الشيخ عاشور خاصة و ذلك بزيارة دار الجماعة كل صائفة الأثر الكبير في تطور وعي الجماعة بدينها و فقهها بمذهبها و قد ساعد في ذلك و بنفس الطريقة أيضا الشيخ أحمد مصلح و الشيخ خميس بوزكري لكن لفترات أقصر.
و سعى الشيخ عاشور لتركيز زيارات من الجماعة إلى سلطنة عمان كل سنة و قد تمكن إلى حد الأن ثمانية إخوة من زيارة عمان و التعرف على نهضتها العلمية و الإستفادة من المشائخ هناك . و كان أيضا لهذه الزيارات تأثير إيجابي على بقية أفراد الجماعة و ساهمت في تثبيتهم على نهج الاستقامة و شحذ عزائمهم لمزيد من البذل .
و قد ساهمت العلاقة الوطيدة مع عمان من خلال اخواننا إلى الحصول على كم هائل من الكتب الدينية القيمة و أصبحت المكتبة غنية بالكتب الدينية القيمة و أصبح الكتاب الإباضي هو المرجع المعتمد في حلقة العلم بدار الجماعة و أصبحت المكتبة غنية بالمجلدات و الكتب القيمة في مختلف فنون العلم الشرعي.
كما كان لتقديم أطروحة الماجستير من طرف الشيخ أحمد مصلح في دار الجماعة عن الوقف الجربي بمصر أثر بالغ في تحفيز الإخوة لينهضوا لحماية تراثهم و ينقذوه من الضياع. و قد أعجب الشيخ بهمة الإخوة لهذا الأمر فشجعهم على تأسيس مكتبة وقفية لدار الجماعة واعدا بتقديم نسخة من مكتبة الجاموسي يسعى للحصول عليها. و قد ترأس نواة مجموعة لتعمل في هذا الموضوع فيتحقق حلم مكتبة وقفية تراثية و معاصرة تكون للجربين و ملكا مشاعا لكل الباحثين أيضا .
زيادة على دورها في التعريف بالمذهب الإباضي لدار الجماعة دور في الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و قد ساهمت في إنقاذ العديد من الجربين من الغفلة فتغيرت أحوالهم و حسن سلوكهم و لا يزال العديد من الجربين في حاجة للأخذ بأيديهم .
أما عن الحضور فيزداد و ينقص حسب المناسبات و الموسم الدينية. فمثلا يغص المكان في عيد الفطر و عيد الاضحى و المولد النبوي فنصلي في الخارج كذلك يمتلئ البيت في صلات التراويح الرمضانية و لا تزال دار الجماعة بعيدة عن استيعاب كل الجربيين الذين يتجاوز عددهم الآلاف بباريس.
و الدار هي ملاذ الجربيين حتى من غير روادها في أفراحهم و أتراحهم حيث يقصدونها لإكرام الحاضرين و ضيوفهم و القيام بختم قرآني و للإستماع لكلمة الخير بالمناسبة.
كما لدار الجماعة إشعاع بدء يكبر في الجزيرة و قد يُلقى على بعض الإخوة أسئلة فقهية لأنه من رواد دار الجماعة كما يحظى الكثير منهم بالتقدير و حسن الإكرام كما يكبرون فيهم من إستقامة و ثبات على الدين و المذهب. كما يسهم من رواد الدار في الجزيرة بعد تقاضي منحة الشيخوخة في الحفاض على الدين و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و عمارة المساجد.
و تذكر دار الجماعة من الذين برزوا و ساهموا في نشاطها الإخوة أحمد الأجيمي الصادق بن خميس سليمان الزنكري إضافة الى الاخوة البارزين و الناشطين اليوم.
كما نذكر من الذين واضبوا على دار الجماعة من أول عهدها الإخوان: الهادي القصاص, رمضان اللبان, بوعيش زيتون, سالم بن يعلى, مسعود اللباسي, سليمان الخنشوش, محمد بن ابراهم, صالح الليني, سالم الجادوي و غيرهم كثير بارك الله في جهود الجميع و جزاهم الله خيرا .
ملاحظة:
هذه محاولة و بداية و لا تزال الصفحة التاريخية مفتوحة لمن يريد الإضافة و الإثراء سواء في تاريخ دار الجماعة أو في تواريخ و أحدث أخرى ذات مغزى و أثر في حياة الجربيين.
و الله من وراء القصد وهو الهادي إلى سواء السبيل .