هو الشّيخ الإمام العالم الحافظ الفقيه أبو غانم بشر بن غانم الخراسانيّ، من أهل خراسان([1]) كما هو ظاهر من النّسبة إليها، ولم نستطع الوقوف على تاريخ ولادته بالدّقّة، والظّاهر أنّ كثيراً من الأوائل لم يهتمّوا بتدوين سيرهم والكتابة عن حياتهم، ذلك لأنّهم اشتغلوا بالدّين ونشره والسّعي في طلب العلم وتعليمه، وإقامة شرع الله في أرضه، فلم يلتفتوا إلى تدوين حياتهم وخصوصاً سنة مولدهم.
قدِم إلى البصرة لتلقّي العلم لأنّ البصرة في ذلك الوقت كانت قبلة للعلم فهي تزخر بشتّى فنون العلم، وفي شتّى المذاهب الإسلاميّة، قدم لتلقّي العلم على يد علماء الإباضيّة وخاصّة أبي عبيدة ([2]) وإن كان لم يدرك من حياته إلاّ قليلاً، إلاّ أنّه أخذ العلم عن تلامذته وعنهم دون كتبه وأهمّها المدوّنة الّتي دوّن فيها أقوال تلاميذ أبي عبيدة ورواياتهم واختلافاتهم([3]).
صفاته وحياته ورحلاته في طلب العلم:
عندما نمعن النّظر في سيرة الإمام أبي غانم ومدوّنته وما ذكر عنه في الكتب، ندرك ما كان يتحلّى به الإمام الجليل من صفات أهل العلم([4])، فقد كان _ رحمه الله _ حافظاً للعلم، ساعياً في تدوينه، محافظاً عليه من الضّياع، وكان يتّصف بالتّواضع والأمانة والدّقّة في النّقل، وعُرِف عنه كثرة مسألته لأشياخه واستجوابهم والتّحرّي في النّقل وتمحيص المسائل والوقوف عند النّصّ، وإبداء رأيه أحياناً، وكان مطّلعاً على مجريات التّاريخ فقد انتقل من المشرق إلى المغرب لزيارة الإمام عبد الوهاب([5]) لتهنئته بالإمامة([6])، وممّا يدلّ على
حرصه في طلب العلم رحلاته الّتي قام بها، فقد رحل في أواخر القرن الثّاني الهجريّ إلى تاهرت([7]) مارًّا بجبل نفوسة في ليبيا([8])، ورويت عنه المدوّنة الّتي دوّن فيها أقوال تلاميذ أبي عبيدة في الفقه ورواياتهم واخلافاتهم([9])، رويت عنه في تاهرت عندما كان زائراً للإمام عبد الوهّاب، فاستودعها عمروس بن فتح([10]) فاستنسخ منها نسخةً بقيت بالمغرب وكانت في اثني عشر مجلّداً طبع منها مجلدان([11]).
وشخصٌ هذه صفاته يبدو للباحث أنّه قد قضى أغلب حياته في البصرة يطلب العلم على يد أبي عبيدة وتلامذته من بعده، وعندما تقلّص الوجود الإباضيّ في البصرة قام أبو غانم برحلةٍ علميّةٍ إلى مصر وبلاد المغرب، ثمّ استشهد بها([12]).
شيوخه وتلاميذه:
أوّلاً: شيوخه:
لا شكّ أنّ لكلّ طالب علم شيوخاً يستقي منهم علومه، وقد كان للإمام أبي غانم عددٌ كبيرٌ من الشّيوخ سمّى منهم في مدوّنته أربعة عشر شيخاً وهم: أبو عبيدة مسلم بن أبي كريمة([13])، الرّبيع بن حبيب([14])، عبدالله بن عبدالعزيز([15])، أبو المؤرّج عمر بن محمّد([16])، أبو غسّان مخلد بن العمرد([17])، أبو أيّوب وائل بن أيّوب([18])، أبو سفيان محبوب بن الرّحيل([19])، حاتم بن منصور([20])، أبو المهاجر هاشم بن المهاجر([21])، ضمام بن السّـائب([22])، أبو نـوح صالح الدّهّان([23])، شعيب بن معروف([24])، حاجب([25])ابن عبّاد المصريّ([26]).([27])
ثانيّا: تلاميذه:
إنّ من كان مثل الإمام أبي غانم _ رحمه الله _ في العلم والصّلاح والجهاد في طلب العلم لا بدّ أن يكون قد تتلمذ على يده عددٌ كبيرٌ من أهل العلم، ولكنّ المصادر لا تسعفنا بعددٍ كبيرٍ، ولعلّ السّبب في ذلك هو المطاردات من الفرق الأخرى، وكذلك تلف المكتبات الإباضيّة .
ومن أشهر تلامذته: أبو حفص عمروس بن فتح المساكينيّ النّفوسيّ([28])، والإمام أفلح بن عبد الوهّاب الرّستميّ([29]).([30])
آثاره ووفاته:
آثاره:
ذكرت المصادر أنّ لأبي غانم كتابين هما:
1- المدوّنة: وهو موضوع البحث، وسأتكلّم عنه بشيءٍ من الاختصار.
2- اختلاف الفتيا أو الفتوى: وهو مفقودٌ لم يعثر عليه([31]).
وفاته:
تذكر بعض المصادر أنّ وفاته كانت سنة 200هـ/815م([32])، إلاّ أنّ الشّيخ صالح البوسعيديّ يرى رأياً آخر في تاريخ وفاته، إذ يقول: "إنّ التّاريخ المذكور سابقاً غير دقيقٍ، وأنّ وفاة أبي غانم كانت بعد ذلك، والّذي يدعونا إلى هذا التّرجيح، هو أنّ الإمام أبا غانم قد لقي عمروس ابن فتح وترك عنده نسخةً من المدوّنة، وعمروس قتل في موقعة (مانو) سنة 283هـ، وتبيّن قصّة مشاركته أنّه كان قوياًّ وصلباً فلو فرضنا أنّ أبا غانم قد لقيه سنة 200هـ مثلاً، وفرضنا أنّ عمروس كان عمره حينئذ عشرين سنةً على الأقلِّ، فيكون سنّ عمروس حين استشهاده مائة وثلاث سنين، ورجل في مثل هذا السّنّ تستبعد مشاركته في الحرب بتلك الصّلابة التّي يوصف بها، ولذا فأنّه يترجّح أنّ لقاء أبي غانم بعمروس كان في أواخر الرّبع الأوّل من القرن الثّالث وليس في مطلعه كما ذكرت المصادر، ومعنى هذا أنّ وفاة أبي غانم ليست قبل هذا التّاريخ([33]).
ويرى الباحث سلطان الشّيبانيّ بخلاف ما رآه الشّيخ البوسعيديّ إذ يقول:
"أولاًّ: إنّ مرور أبى غانم بعمروس وتركه نسخةً من المدوّنة عنده كان في زمن الإمام عند الوهّاب بن عبد الرّحمن وقد اختلف المؤرّخون في سنة وفاة الإمام عبد الوهّاب،
فقيل: عام 188 هـ، وهو قول ابن عذارى المراكشيّ، وقيل: سنة 190 هـ، وهو القول الّذي رجّحه البارونيّ([34]) وتابعه الدّكتور عمرو النّاميّ([35])، وقيل: سنة 208هـ.
وعلى القولين الأوّلين: يكون أبو غانم قد التقى بعمروس سنة 188هـ، أو 190هجريّ، وهذا الّذي يراه الدّكتور النّاميّ إذ يقول: "إنّ أبا غانم رحل إلى تاهرت في أواخر القرن الثّاني الهجريّ، وأمّا على القول الأخير فرحلة أبى غانم يمكن أن تكون في أوائل القرن الثّالث، ولكنّها لا تتعدّى سنة 280هـ([36]).
ثانياً: تشير المصادر أنّ عمروس لما نقل المدوّنة كان عمره صغيراً وتشير كذلك إلى أنّه عمّر زمناً طويلاً، ويرجّح الشّيخ السّالميّ رحمه الله إلى أنّ مولد عمروس كان في أواخر العقد السّادس من القرن الثّاني الهجريّ.
وبناءً على ما سبق فلا يستبعد أن يكون الإمام أبو غانم قد توفي سنة 200هـ.
المصدر: