(و ~: 500هـ / 1105م - ت: 570هـ / 1175م)
علم من أشهر علماء الإباضية بالمغرب، ترك بصمات بارزة في التراث الإباضي خصوصا، والمكتبة الإسلامية عموما.
ولد بسدراتة، من قرى وارجلان؛ ولا تذكر المصادر سنة ميلاده بالتحديد، فقد جعله الدرجيني ضمن الطبقة الثانية عشرة (550-600هـ/1155-1203م) وذلك اعتباراً لفترة وفاته. بينما جعله الباروني في الطبقة (500-550هـ/1106-1155م) باعتبار مولده. والتحقيق يرجِّح كون ميلاده سنة 500ه/1106م.
نشأ في موطنه سدراتة، وأخذ مبادئ العلوم على علماء وارجلان، ومن شيوخه بها: أبو سليمان أيوب بن إسماعيل (ت ~ :524هـ/1129م)، وأبو زكرياء يحيى بن أبي زكرياء؛ وتذكر بعض المراجع أنه تتلمذ أيضاً على أبي عمَّار عبد الكافي التناوتي الوارجلاني، والذي ترجِّحه الروايات أنه كان رفيقاً له في الدراسة لا شيخا.
وقد عاصر أبو يعقوب الشيخَ أبا عمرو عثمان بن خليفة السوفي المرغنِّي.
ويعتبر هؤلاء الثلاثة: أبو يعقوب، وأبو عمَّار، وأبو عمرو عثمان، من أشهر علماء الإباضية الذين خلَّفوا كتبا هامَّة، وبرَّزوا في علم الكلام على الخصوص.
لمَّا استوعب أبو يعقوب ثقافة وطنه تاقت نفسه إلى الاستزادة، وكان شغوفا بالعلم، فشدَّ الرحال إلى بلاد الأندلس، وأقام بقرطبة سنين عدداً، وحصل منها مختلف العلوم النقلية والعقلية، وكان بين طلاَّبها مثال النبوغ النادر، والأدب الجمِّ، والاطِّلاع الواسع، حتَّى كان الأندلسيون يلقِّبونه ب«الجاحظ».
ثمَّ عاد إلى وطنه وقد أُشبع علما.
ولم يستقرَّ طويلا حتَّى دفعته نفسه الطُّلعة إلى الترحال من جديد، فتوجَّه إلى بلاد السودان، ودخل مجاهل إفريقيا حتَّى وصل إلى قريب من خطِّ الاستواء، كما يحكي ذلك بنفسه، وهو من السابقين إلى اكتشاف هذه المناطق المجهولة، فقد دوَّن ملاحظاته العلمية على تلك المناطق وأهلها، وكانت هذه الرحلة علمية تجارية.
ثمَّ رحل بعد ذلك إلى الحجاز لأداء فريضة الحجِّ، وزار عواصم المشرق، واستفاد من مراكزها العلمية وعلمائها.
وأثرت هذه الرحلات في تكوين شخصيته، فجعلت منه العالم الموسوعي، وكان كما وصفه الدرجيني: «بحر العلم الزاخر، المسخَّر للنفع، فترى الفلك فيه مواخر، الرفيعِ القدر والهمَّة، الجامعِ لفضائل كلِّ أمَّة، المحتوي على علوم جمَّة... وهذا الشيخ له يد في علم القرآن، وعلم اللسان، وفي الحديث والأخبار، وفي رواية السير والآثار، وعلم النظر والكلام، والعلوم الشرعية عباداتها والأحكام، وعلم فرائض المواريث، ومعرفة رجال الحديث، ولم يخل من اطِّلاع علوم الأقدمين، بل حصل مع ملازمة السنة قطعة من علم الحكماء المنجِّمين».
ولشدَّة حرصه على العلم، مكث بداره سبع سنين، عاكفا على الكتابة تأليفا ونسخا، وتجليدا للكتب، ورأى الدرجيني بعض مؤلَّفاته في نُسخ عديدة، كلُّها
بخطِّ يده.
ترك آثارا علمية في مختلف العلوم، منها ما حفظته الأيام، ومنها ما ضاع مع حوادث الزمان.
ومن مؤلَّفاته:
1. «تفسير القرآن الكريم»: ذكرت المصادر أنه يقع في سبعين جزءًا، رأى البرادي منه تفسير سورتي البقرة وآل عمران في حوالي سبعمائة ورقة.
2. «الدليل والبرهان لأهل العقول»: ومعظمه في أصول الدين وعلم الكلام، ولكنَّه في الحقيقة موسوعة مصغَّرة لمختلف الفنون: من كلام، وتاريخ، وفلسفة، ومنطق، ورياضيات، وعلوم، وأخبار... يقع في ثلاثة أجزاء، طبع أكثر من مرَّة، ثمّ حقَّقه الباحث صالح بوسعيد في رسالة دكتوراه الحلقة الثالثة، ولا يزال مرقونا.
3. «العدل والإنصاف في أصول الفقه والاختلاف»: يقع أيضا في ثلاثة أجزاء، طبع بلا تحقيق، ثمَّ حقَّقه الشهيد الدكتور عمرو خليفة النامي، ولا يزال مرقونا. وقد أجرى عليه الباحث مصطفى بن صالح باجو دراسة أكاديمية في رسالة ماجستير، قارن فيها بين الوارجلاني في العدل والإنصاف والغزالي في المستصفى، وطبعت الدراسةَ وزارة التراث القومي والثقافة بسلطنة عمان.
4. «مرج البحرين»: في علم المنطق، وهو في آخر كتاب الدليل والبرهان، شرحه الشيخ عبد العزيز الثميني في كتاب: «تعاظم الموجين في شرح مرج البحرين» (مخ) منه نسخة بمكتبة الاستقامة ببني يسجن.
5. «ترتيب مسند الربيع بن حبيب»، معتمد الإباضية في الحديث، طبع عدَّة مرَّات.
6. «رسالة في تراجم رجال المسند»: اعتبرت مفقودة، ثمَّ عثرت جمعية التراث، في إطار مشروعها دليل مخطوطات وادي ميزاب، على قسم منها مؤخَّراً بمكتبة آل يدَّر ببني يسجن.
7. «فتوح المغرب في تاريخ بلاد المغرب»: وهو مفقود، يقال إنَّ بعض أجزائه توجد في بعض خزائن ألمانيا، وذكر الشيخ
أبو اليقظان عن المؤرِّخ
حسن حسني عبد الوهَّاب أنه رأى جزءاً منه في تركة المستشرق مونتسكيو!، ولعلَّه موتلانسكي.
8. «أجوبة فقهية»: مخطوطة لو جمعت لكوَّنت مجلَّداً ضخما.
9. «رسائل متنوِّعة»: جمع بعضها في الجزء الأخير من الدليل والبرهان (مط).
10.«شرح سير محبوب بن الرحيل في تاريخ الإباضية بالمشرق»: وهو شرح مفقود.
11.«ديوان شعر»: ضاع ولم يبق منه إلاَّ قصيدة في رثاء شيخه أيوب بن إسماعيل، دوَّنها الدرجيني في طبقاته.
12.«القصيدة الحجازية»: في وصف رحلته إلى الحجِّ، ورفاقه فيها، وما لاقوه من أهوال الطريق، ومشاهد الرحلة وفوائدها، تقع في 360 بيتا، توجد منها نسخ مخطوطة عديدة.
اتَّسم أبو يعقوب إلى غزارة العلم، بأخلاق العلماء: من الصبر، والتواضع مع سائر الناس، وتروي المصادر نماذج من تواضعه ودماثة أخلاقه.
ومن أشهر تلامذته ابنه أبو إسحاق إبراهيم بن يوسف، وأبو سليمان بن أيوب بن نوح.
كانت وفاته في سنة 570هـ/1175م، ودفن بمسقط رأسه سدراتة.
المصادر:
*أبو يعقوب الوارجلاني: جواب فقهي (مخ) *أبو يعقوب الوارجلاني: كتاب الأسماء (مخ) *أبو يعقوب الوارجلاني: الدليل والبرهان *أبو يعقوب الوارجلاني: العدل والإنصاف *الوسياني: سير (مخ) 2/242، 269 *الدرجيني: طبقات المشايخ، 1/ي؛ 2/460-461، 489-495، 501 *الجيطالي: قواعد الإسلام، 1/ه *البرادي: الجواهر المنتقاة، 220-221 *الشماخي: السير (مط) 443-448 (ط.ع) 2/105، 106 *السالمي: حاشية الجامع الصحيح، 1/3 *الباروني أبو الربيع، مختصر تاريخ الإباضية، 78 *الباروني سليمان: الإزهار الرياضية، 2/75 *القطب: الرسالة الشافية، 123. *أبو اليقظان: حياة الإمام أبي يعقوب (مخ) كله 61ص *أعزام: غصن البان (مخ) 185، 221-224 *علي معمر: الإباضية في موكب التاريخ، ح4/229-233 *باجو: أبو يعقوب الوارجلاني، 71-120 *صالح بوسعيد: تحقيق الدليل والبراهان (مرقون) *عمار الطالبي: آراء الخوارج الكلامية، 2/293 *المرموري ناصر: مسند الإمام الفراهيدي، 6-7 *بحاز: الدولة الرستمية، 33، 222، 304 *جهلان: الفكر السياسي، 86، 225 *الجعبيري: البعد الحضاري، 1/120 *أعوشت: أبو يعقوب الوارجلاني، 7، 35-49 *باباعمي: الفكر الفلسفي عند أبي يعقوب الوارجلاني (مرقون) *جمعية التراث: دليل المخطوطات: -فهرس آل يدّر، مج 113، 78 -فهرس القطب، أ/ز1، أ/ز7 -فهرس الإصلاح، 23 *مجلة الأصالة: ع41 (محرم 1397هـ/جانفي 1977م) عبد الرحمن الجيلالي أبو يعقوب الوارجلاني وكتابه الدليل والبرهان، 16-171.
*Smogorzewski: Abd-al Aziz ses ecrits et ses sourses, 21-22. *Lewicki.T:Les historiens,89-90 *Fekhar: Les Communautes Ibadites, 10, 14, 407 etc *Metref Arezki: Isadraten Pompéi des sables, Algerie-Actualité, No (16-22/02/1989) p29.
المصدر: