هو العالم الكبير الأصولي البليغ عبدالله بن محمد بن بركة السليمي الأزدي نسبة إلى سليمة بن مالك بن فهم المشهور بابن بركة والمكنى بأبي محمد، وهي التي اشتهر بها في كتب الفقه خاصة عند المشارقة من أهل المذهب.
ميلاده ووفاته
ولد ـ رحمه الله ـ حسب ما حدده الشيخ الباحث زهران المسعودي في كتابه مابين عاميّ 296-300هـ(3) وقد ذكر أسباب ترجيحه لهذا التاريخ ، وهو في ذلك تابع للشيخ الباحث جابر السعدي ، وقد ولد في مدينة بهلا في قرية الصرخ وهذه المدينة تبعد عن نزوى [العاصمة الإسلامية آنذاك] بحوالي 30 كم تقريبا.وأما عن وفاته فقد ذكر الشيخ زهران المسعودي أنه من الراجح أن يكون ابن بركة توفي ما بين عامي 362ـ363هـ.
شيوخه
لقد أخذ ابن بركة علومه الأولى في مدينته بهلى ثم انتقل إلى صحار حيث التقى بالشيخ العلامة أبو مالك غسان بن مجمد بن الخضر الصحاري نسبة إلى صحار الصلاني نسبة إلى وادي صلان وقد أخذ هذا الشيخ علومه عن العالمين الكبيرين الشقيقين عبدالله وبشير ابني محمد بن محبوب بن الرحيل، وهو من علماء القرن الثالث الهجري،ومن أشياخه الإمام أبو القاسم سعيد بن عبدالله بن محمد بن محبوب وقد تعلم هذا على يد أبيه وعمه، ومنهم أبو مروان سليمان بن محمد بن حبيب من علماء النصف الأخير من القرن الثالث الهجري وأول القرن الرابع الهجري وأبو يحيى عبداعزيز بن خالد وأبو الحسن محمد بن الحسن السعالي النزوي.(6)
صفاته ومكانته العلمية
كان ابن بركة ـ رحمه الله ـ محبا للعلم مجتهدا في طلبه مناضلا في تحصيله، وقد اختبره في ذلك شيخه أبو مالك ؛إذ أبدى له في أول الأمر شيئا من اجفاء، فلما علم صدق نيته في طلب العلم ، ورغبته الصادقة لتحصيله قربه من مجلسه وصار من خاصة تلاميذه، ونال منه الحظ الأوفر من العلم؛ فصار بعده إمام المدرسة الرستاقية وعميدها .
تلاميذه
ان من أبرز تلاميذه الذين أخذوا العلم عنه العلامة الكبير أبو الحسن البسيوي صاحب كتاب مختصر البسيوي، وكان يعرف بالأصم وذلك لثقل سمعه فكان كل من أراد استفتاءه كتب مسالته في الأرض فيكتب له الشيخ الجواب ومن تلاميذه أيضا:
أبو عبدالله محمد بن زاهر،وله تقييدات في مسائل فقهية عن شيخه ابن بركة ومسائل أخرىعرضها عليه وجميعها قدضُمّن في المجلد الذي يحتوي كتاب التقييد المخطوط(7) وأحمد بن محمد بن خالد، وقد قيل إن بعثة من أباضية المغرب قدمت إلى عمان تتكون من سبعين طالبا ودرست على يد الشيخ ابن بركة(8).
لقد كان ابن بركة رجلا غنيا ثريا كريما سخيا ، فقد أنشأ مدرسته المشهورة في بهلى وحبس للمتعلمين أرضا واسعة من ماله ، وقد بنى العديد من المساجد منها مسجده الواقع في قرية الصرخ ومسجد الخير ومسجد الشريعة والفحال والوحيد وغيرها .
لقد ترك لنا ابن بركة كنوزا جمة أثرى بها المكتبة الآسلامية عامة و الأباضية خاصة ومن هذه الكتب:
1ـ كتاب الجامع : ويعتبر هذا الكتاب أهم ما قدمه لنا هذا الشيخ (9) ويتميز هذا الكتاب أن مؤلفه قد مهد له بمقدمة أصولية تحتوي على مسائل مفيدة في علم الأصول ، ويتميز كذلك بوجود الفقه المقارن فقد ذكر بعضا من كتب المخالفين مثل كتاب اختلاف الفقهاء وكتب داىد بن علي وكتاب ابن المغلس (10) ،ولقد اشتمل هذا الكتاب على عدد كبير من القواعد التي استخلصها صاحب كتاب الإمام ابن بركة ودوره الفقهي في المدرسة الأباضية من خلال كتاب الجامع
يعتبر كتاب الجامع مصدرا أساسيا من مصادر الفقه الإباضي ، وهو مع ذلك يعرض في كتابه أقوال المذاهب الأخرى ، ويتبع الأقوال غالبا بذكر الأدلة ، ثم يعمد إلى المناقشة والنظر في الأقوال والأدلة ؛ ليختار الراجح عنده بما تبين له من دليل.
وقد ربط ابن بركة في مؤلفه الفروع بالأصول ، وصدّره بمقدمة أصولية تعتبر من أول ما ألف عند الإباضية في علم الأصول ، ويلاحظ على كتاب الجامع تقديم بعض المسائل والأبواب أو تأخيرها عن مواضعها ، وعدم الترابط بين مسائل الكتاب غالبا .
وقد طبع الكتاب في مجلدين ؛ بتحقيق/ عيسى يحيى الباروني .
2. كتاب التعارف ( مط ) : رسالة صغيرة ، قرّر فيها أحكاما فقهية وأصولية تتعلق بما تعارف عليه الناس ، وجرى بينهم مجرى العادة ، وبيان الحكم الشرعي في ذلك ، وأصل الرسالة جواب لكتاب أرسله إليه أحد الذين ضاقت به الشكوك المعترضة له في نفسه وماله .
ومن الجدير بالذكر أن كتاب التعارف كان تأليفه بعد كتاب التقييد ؛ إذ إنه نقل منه في نهاية كتابه التعارف . وقد طبعت من قبل وزارة التراث ضمن سلسلة تراثنا / العدد الثالث والخمسون ، كما قام بتحقيقها الفاضل/ بدر بن سيف الراجحي في بحث قدمه إلى كلية الحقوق ( كلية الشـريعة والقانون سابقا ) .
3. الموازنة ( مط ) : رد على سؤال أتاه من أحد تلامذته في قضية الإمام الصلت ، قيّد فيه ابن بركة أقوال مخالفيه من أتباع الفرقة النزوانية ، ثم تطرق في معرض رده عليهم إلى الأحداث التي يسوغ بسببها عزل الإمام الصلت .
والكتاب مطبوع ضمن كتاب السير والجوابات .
4. المبتدأ ( مخ ) : رسالة بيّن فيها ما يجب على المكلف عند بلوغه الحلم ، وقد أوردها بأسلوب تعليمي على هيئة سؤال وجواب ، وتقع في سبع صفحات فقط .
5. كتاب التقييد أو التقييدات (مخ): مجموعة مسائل قيدها ابن بركة عن شيوخه ؛ حيث كان يلقي عليهم ما يشكل عليه من مسائل ، ويقيد ما يجيبونه به ، وأكثره عن شيخه أبي مالك ، وبعضه عن الإمام سعيد بن عبدالله . وموضوع الجوابات في العقيدة والعبادات والمعاملات ، ولكنها غير مرتبة على حسب الأبواب الفقهية .
وكتاب التقييد كان يعدّ من عداد المفقودات إلى أن عثر على نسخة غير مكتملة منه في مكتبة الإمام السالمي ضمن مجموعة من الأجوبة ، التي يقول مالكها الشيخ عبدالله بن عمـر بن زياد ( ق 10هـ ) بأنه أضاف إليها ما وجده من كتاب التقييد ، وقد نسخه من نسخة منقطعة من أولها وأوسطها .
6. شرح جامع ابن جعفر : حاشية على كتاب الجامع لابن جعفر ، تناول فيه شيئا من مسائل الكتاب بالشرح والتعليق ، وتعتبر حاليا من عداد المفقودات ، ولم يبق منها إلا ما نقلته منه كتب الأثر .
7. سيرة تنسب إليه : وهي جواب لسؤال ورد إليه من بعض مقلديه في قضية الإمام الصلت وموسى بن موسى ، وقد أشكل على هذا السائل الجواب على بعض الحجج التي أوردها عليه مخالفوه ، فأجابه الشيخ ببيان رأيه في القضية ؛ مستدلا عليه بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية .
8. جواب لبعض سائليه ( مخ ) : عن كلّ من موسى بن موسى وراشد بن النظر وعزان بن تميم ، وقد أجاب ابن بركة سائله بما أخذه على كل واحد من المذكورين ، ويقع الجواب في خمس صفحات ، يوجد ضمن سير علماء المسلمين .
9. منثورة ( مخ ) : المشتهرة بمنثورة أبي محمد ، وهي مسائل وأجوبة ، أجاب بها ابن بركة ، فقيدها تلاميذه .
10. كتاب الإقليد : ذكره بعض المتأخرين ، ولم يعثر عليه ، وقد جعله بعض الباحثين نفــس كتـاب التقييد .
11. كتاب مدح العلم وأهله : ذكره البرادي في رسالته ، وقال بعضهم بأنه نفس كتابه الجامع .
12. كتاب المفسدات : ذكره الشيخ إبراهيم بن سعيد العبري في تقديمه لكتاب الجامع .
13. أجوبة متفرقة في كتب الأثر .
ويذكر ابن بركة في كتابه التعارف أنه ينوي تأليف كتاب في الاجتهاد بالرأي ، فلا ندري ما آل إليه الأمر بعد ذلك ، ولعله توفي قبل أن يؤلفه
من أٌقواله
1- "ونحن نعوذ بالله من غلبة الأهواء ومسامحة الآراء وتقليد الآباء وإياه نسأل أن يجعلنا من المتبعين لكتابه الذابين عن دينه والقائمين بسنة نبيه محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ (15).
2ـ " واتبع الحجة أولى من اتباع الرأي تاذي ليس بحجه"(16).
3ـ " لا حظ للنظر مع النص "(17).
ولقد أثنى عليه الكثير من العلماء منهم العوتبي في كتابه الأنساب فقد قال :"ومنهم [يعني آل سليمة بن مالك] أبو محمد عبدالله بن محمد بن بركة ـ رحمه الله ـ وهو العالم المشهور والبليغ المذكور صاحب كتاب الجامع وكتب التقييدات ومسائل أصول الدين وغير ذلك من مسائل الفروع الحرام والحلال والكتاب المبتدأ في خلق السموات والأرض وما فيهن من الخلق " (18).ومنهم ابن رزيق في الصحيفة القحطانية والبطاشي في إتحاف الأعيان والإمام السلمي في معارجه و أبو مسلم في نثار الجوهر (19).
المصدر: